السبت، 22 يناير 2022

تاريخ نشأة فن الروك Rock المختصر

 


 من أكثر ما سئل عنه منسق قاموس الروك Dictionnaire du Rock هو الآتي:

ما هو حدود فن الروك ؟، بمعنى أين يبدأ وأين نهايته ؟ 

انطلق الروك من جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية على ضفاف نهر المسيسيبي حتى وصل إلى الميجاستور، حيث غطى أكبر مجال توزيع أسطوانات في الدول المتقدمة.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حظي الروك بقوة ودفعة كبيرين وكان ذلك سببا في بلوغه الآفاق كما سبق. لقد اخترق الروك المجتمعات الشبابية بقوة بشكل لم يسبق له مثيل لأي أفكار اجتماعية أو سياسية، وانتشر بين كل فئات المجتمع والطبقات الاجتماعية، ومستويات التعليم. لقد بدأ الروك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر يرسخ عقيدة جديدة بين الشباب ومدمنيه...

لقد استخدم فعل روك أند رول Rock and roll منذ بداية الخمسينات لوصف إيقاعات البلوز blues (نوع من المسيقى خاصة بالزنوج الأمريكان) بل استخدم مصطلح Rock and roll منذ العشرينات للدلالة على الممارسات الجنسية، وذلك أن الزوج في الولايات المتحدة يستخدمون مصطلحات ذات دلالات مزدوجة نظرا لتحريم البيض لها منذ عصور الرق.

كان إلى الخمسينات ينتشر في ولايات الجنوب الشرقي للولايات المتحدة الميز العنصري الفج، حيث الحافلات الخاصة بالزنوج، وأخرى للبيض، وجامعات ترفض قبول السود....الخ، وكان يتم تعذيب زنجي بمجرد الاشتباه في اغتصابه للنساء البيض بمجرد الإدعاء، ويقتل بدون محاكمة ولا مساءلة.

في عام 1956م، ظهر على قناة NBC مغني أبيض يدعى ألفيس بريسلي  Elvis Presley وكان مغنيا شابا، ينحدر من ممفيس بولاية تنيسي وغنى أغنية بعنوان "كلب الصيد" Hound Dog وهذه الأغنية من تأليف مغنية زنجية سوداء.

ولم يكن أول من فعل ذلك، فقد سبقه إلى ذلك مغنيون آخرون غنوا أغاني من تأليف موسقيون سود، من أوائلهم "و.س. هاندى" W.C.Handy 

وكان ألفيس بريسلي قد كسر العادة وأتى بشيء جديد لم يسبق إليه، وهو أنه أصبح يقلد المغنيون السود في حركاتهم وأخذ يحرك سيقانه بشكل خليع بطريقة تعد خاصة بالسود، مما جعله منحطا في نظر العنصريين من البيض، الذين يكنون الحقد للسود. وكان ظهوره في التلفاز بمثابة زلزال كان لذلك الأمر تبعات كثيرة؛ أبرزها ميلاد "الروك أن رول" كأسلوب ولغة موسيقية جديدة يمارسها البيض بعدما كانت مقتصرة على السود.

ويعد روبرت جونسون  Robert Jhonson (1911-1938) أكثر فنان له تأثير أكبر على فن "البلوز" ويرجع أصل هذا الفنان إلى دلتا المسيسيبي. وكانت إحدى أغانيه "حب بلا جدوى" Love In Vain، قد أعادت فرقة "الرولينج ستونز" غناءها عام 1969. وقد انتهى به المطاف إلى ورشة على الطريق السريع حيث يتجمع الحطابون والعمال، بيضا وسودا ويتسلون بسماع الموسيقى.

وبعدما كان يتردد على الحانات التي كانت تعزف موسيقى البلوز، تأثر بعازفيدعى ايك وينان Ike Zinneman، وعندما عاد إلى وطنه انتشرت شائعة أنه قد باع روحه للشيطان مقابل أن يتعلم فن "البلوز". وفي هذا  الوقت بالذات انتشر نوع من التصوف المسيحي مثل الذي كان في أوروبا قبل ذلك بقرون. وعندما أتيحت له فرصة تسجيل أسطوانات من جاكسون 'ميسيسيبي' استطاع روبرت جونسون عام 1936 أن يحفر في الأذهان حوالي خمسة عشر أغنية ظلت أسطورية، ومنها "تير ابلان بلوز" Terraplane Blue .

وكان هناك حدث تاريخي قرب الفجوة بين البيض والسود، حيث بعد انهيار البورصة عام 1929، وانتشار الجفاف أدى الأمر بالبيض والسود على حد سواء إلى حافة التشرد، حيث ألقى بالعبيد إلى مزارع القطن والفلاحين البيض أصابهم الخراب والإفلاس، فجمعت بينهم حياة التشرد والبؤس،  فأصبحوا إخوانا في المحنة، وبأعداد كبيرة.

وكان جيمي رودجزر Jimmie Rodgers أبو الموسيقى الريفية الأبيض (ولد 1897) أصبح نجما كبيرا في عام 1927 إلى 1933، - كان قد لب دورا مهما في إدخال البلوز والموسيقى السوداء في قلب الأغنية الشعبية الأمريكية. وكان رودجزر ابنا لأحد العمال في أوراش سكة الحديد، ويعمل في صيانة الخطوط الكبيرة في الجنوب الغربي. وكان يتعلم البانجو والجيتار في ورشة العمال السود في العشرينات. كما أن الروك أند رول يدين أكثر للمغني هانك ويليامز (1953-1923) وهو أحد أكبر نجوم الموسيقى الريفية الأمريكية. وقد نشأ في وسط فقير، واضطر للعمل منذ الثالثة عشرة من عمره بقيامه بتلميع الأحذية، وكان يلتقي يمغن أسود في الشارع يعلمه الجيتار وكيفية الغناء. فوضع أسس الروك أند رول: إيقاع عال وكلمات واقعية وبنية متناغمة بسيطة. ومن أبرز الأغاني التي تدل على ذلك أغنية Move it on over عام 1937 القريبة بشكل عجيب من He clock Rock around لبيل هالى، حيث حققت نجاحا باهرا في عام 1955، وكانت سببا لموضة الروك أند رول في العالم بأكمله.

ومن أسباب نشأة الروك أند رول أيضا ما أنشأته بعض الطوائف البروتستنتية من الجو الكنسي حيث يمتزج البيض والسود في المعابد التي تنتمي إلى الكنيسة البروتستانتية، وظهر الجوسبل Gospel الذي يعني الأنجيل كنقطة التقاء بين التراتيل المسيحية وأغاني العمال والمبنية عادة على مقطع مركزي ومقاطع مرتجلة، يرد عليها الكورال.

لقد نشأ الدو ور Doo Wop أحد ألأنواع الموسيقية الأكثر شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية، من خليط من الأناشيد الدينية الكنسية الخاصة بالبيض والنبرات الإفريقية الحادة.

إن عددا كبيرا من رواد الروك ترجع جذورهم إلى أصول دينية: ألفيس بريسلي Elvis Preseley، جيري لي لويسJerry Lee Lewis، ليتل ريتشارد Little Richard، جيمس براون James Brown وجميعهم ينتمون لمدن الوسط الشرقي والجنوب الشرقي حيث يصبغ التدين الحياة الاجتماعية.

يقول بريسلي: "كنا عائلة متدينة، كنا نذهب بدون انقطاع إلى اجتماعات في الهواء الطلق وإلى المواعظ. لم أكن أعرف منذ سن الثالثة سوى "الجوسبل"، بالنسبة لي كانت هذه هي الموسيقى. كنا قد استعرنا أسلوبا في غناء أناشيدنا من السود. كنا نذهب لنغني الدين طول الوقت. وكان القساوسة يتحركون في جميع الاتجاهات، ويثبون فوق البيانو وكان الجمور يقدرهم. كنتأعشق الموسيقى، وقد أصبحت جزءا من حياتي إلى الحد الذي أصبحت أمرا طبيعيا مثلها مثل الرقص: فهي طريقة للهروب من المشاكل، وطريقتي أنا للتحرر".

لقد كانت طريقة رقص بريسلي في التلفاز تجعل البعض مشمئزا منه، حيث كان يحرك وسطه كما يفعل السود مما جعل شبكة NBC لا يصورونه إلى من فوق الحزام، وكان هذا سبب شهرته، عن طريق التلاعب بالكلمات التي لا يمكن ترجمتها والذي أطلق عليه Elvis the pelvis ألفيس الحوض.

ويعتبر الكثيرون هذا الخليط من البلوز وإيقاعات اليلوز والموسيقى المقدسة فاضحا،كما يشهد لذلك على سبيل المثال: المؤدين البارزين لبدايات الروك أند رول، وكلاهما من الجنوب، أحدهما أبيض والآخر أسود: جيرى لي لويس الذي ولد في عام 1935. وليتل ريتشارد الذي ولد عام 1932، وينحذر من عائلة فقيرة ومسيحية، جنوب الوادي، من لويزيانا. جيمي سواجارت Jimmy Swaggart أحد أعمامه، عنده حانة يمكن سماع إيقاعات البلوز المحرمة من المنازل، أرسل منذ الخامسة عشرة لدراسة الموسيقى الدينية والتوراة في إحدى المدارس المعمدانية. وقيل إنه قد طرد من تلك المدرسة بسبب أدائه أحد الأناشيد بلحن بوجي ووجي. ويعتبر هذا الأمر إحدى أسباب اعتبار الروك أند روول بأنها موسيقى الشيطان.

وقد أكد أحد أشهر نجوم الروك أند روول تلك العلاقة بين الدين والروك، وهو ليتل ريتشارد. هذا الأخير الذي انتهى به المطاف للتسكع في الشارع بسبب ميولاته الشاذة وتوظيف الروك في طريق المجون. ثم قدم نفسه لاحقا مع فرقة في نيو أورليانز، حيث التقطه مندوب شركة أسطوانات، ثم اشتهر لاحقا حتى تأثر به جيمي هندركس. وكانت طريقة غنائه بالصراخ والضرب على البيانو ويتدحرج على الأرض، وهو أسلوب الجوسبل.

في أوروبا وبالضبط فرنسا، أصبح الروك تقليدا ساخرا هدفه تحويل الموسيقى إلى استهزاء، مثل أغنية Rock'n Roll mop التي غناها هنري سلفادور Henri Salvador المعروف بمهنري كوردنج Henri Cording بكلمات بوريس فيان Boris Vian ثم أصبح الروك أند روول الرقصة المفضلة لجيل بالكامل، مع بعض التعديلات للروك أند روول بالفنرسية على يدي ريتشارد أنتوني Richard Anthony وجوني هاليداي وجوار ب سوداء أخرى. وانتهت هذه الموضة في فرنسا إلى يي يي وتوفيق بين الروك وتقاليد الأفاني الشعبية.

والسبب في تحويل الروك أند روول إلى قوة جديدة غير مسبوقة إلى أرعة إنجليز قرويين من شمال غرب إنجلترا معاصرين لليي يي الفرنسية.

أصبحت أمريكا عام 1964 تعيش مرحلة حرجة، خاصة بعد اغتيال جون كنيدي كديمقراطي. كان يعارض التمييز العنصري، مطالبا بالحقوق المدنية للسود والعيش المشترك جنبا إلى جنب مع البيض، وكان هناك مناخ متقلب من الاضطرابات العنصرية، مع زيادة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي والسباق نحو الفضاء، والخلاصة أن الغالبية من الشباب نشأوا في جو من الخوف والريبة. وكان الشبان الأوروبيون المهاجرون من أوروبا هم من أنعش الحركة الغنائية بفضل البيتلز. وكان هناك صراع مع أتباع الروك أند روول خاصة في جنوب الولايات المتحدة. وفي خلال أحد المؤتمرات الصحفية أظهر جون ليتون مازحا أن "البيتلز على أي حال صاروا أكثر شعبية من المسيح"، مما تسبب في هجوم غير مسبوق عليهم حيث حرقت أسطواناتهم في إحدى مدن ألاباما، وتم تهديدهم في جولتهم عام 1966. وسنجد في هذه المرحلة أيضا خطورة الروك أند روول على قيم البيض.

لقد استخدم الأمريكيون مصطلح "الغزو البريطاني" لوصف المد الكاسح الذي يمثله البيتلز: جعلت الكثير من الفرق الموسيقية الشباب يكتشفون الموسيقى التي كان السود يؤلفونها.

قام بعض الأساتذة في منطقة سان فرنسيسكو في جامعة ستانفورد في بالو التو بتجربة عقار الهلوسة على طلبتهم، وهو عقار نفسي خلقه الكيميائيون. والهدف هو زحزحة الحد الأقصى وهو حد الوعي العاقل الغربي. حينها بدأت البوذية في اجتذاب عدد من الشبان الغربيين في بالو ألتو، وصاحبت هذه التجارب جماعة من الفرق الموسيقية، أبرزهم جماعة الموت السار Grateful Dead. وقد تحولت لاحقا إلى نوع من الذاهب المتحررة.

ومن لوس أنجلس كان هناك الدورز Doors وهم ينتمون إلى الجاز والبلوز أكثر مما ينتمون للروك أند رول، وهم يشجعون على إطلاق العقل الباطن، وكان قائدهم جيم موريسون.

وفي نيويورك نشأت فرقة الروك التي أصبحت لاحقا من اشهر الفرق، وهي ذي فلفت أندر جراوند The Velvet Undergroud. تحت رعاية أندى وارول Andy Warhol وهو ما شكل جسرا مثاليا بين موسيقى الشوارع والأدب الواقعي.

أصبح كل شيء ممكنا بفضل الروك، واستبدل العالم الواقعي بعالم الأحلام والمقدس والذي لا حدود له، واعتبر العالم الواقعي بأنه حقير.

لقد كانت هذه الفترة قصيرة منذ بداية السبعينات تطورت أنواع متفردة ومتزايدة مثل بلوز روك، والكانتري روك، والجاز روك، والموسيقى التقدمية...الخ. إلى درجة اضمحلال الروك أند روول في منتصف السبعينات إلا عند بعض الهامشيين.

من هناك ظهرت الثورة الغريبة للبانك روك بين 1976 و 1977، وبالنظر إلى الوراء نحو الهجاجة والهمجية لرواد الروك، نجد أنها ستغير المشهد الموسيقي كليا.

لقد قامت حركة البانك Punk القليلة الشعبيرة بالعمل بتحد الأرض وأنشأت الأسس الذي سمح للروك أن يصبح في الثمانيات موسيقى شعبية سائدة بسبب اللغة البسيطة والأثر فعالية.

لقد سمح هذا الأمر لفرق ذات حساسية جديدة مثل U2 و The cure و Depeche Mode و Rem حتى نيرفانا وراديوهيد، أن تؤثر في جمهور عريض.

منذ بداية الثمانينات، دخل الروك عصر الاتصالات المهنية بفضل ظهور الفيديو كليب، فجرده هذا التطور من جزء من معناه ورسالته، وانهصر بشكل أوسع من تلك التي بدأها البيتلز في الموسيقى العالمية التي باقترانها بثورة ستوديو المنزل وبالأساليب الإلترونية في التقطيع سلبت منه دوره الاكتساحي.

لقد كان الروك محاولة لسحر العالم، وكأنع غلالة عجيبة متعددة الألوان، وبفضله اقتنع كثير من الناس بسمو العالم الذي نحلم بع على العالم الواقعي، وبالمقابل جعل حياة الكثير إحباطا عندما توهموا أن الحلم أقوى من الحقيقة.

-------------------- المصادر --------------------

-W. E. Studwell and D. F. Lonergan, The Classic Rock and Roll Reader: Rock Music from its Beginnings to the mid-1970s (Abingdon: Routledge, 1999)

Farber, Barry A. (2007). Rock 'n' roll Wisdom: What Psychologically Astute Lyrics Teach About Life and Love. Westport,

A. Rodel, "Extreme Noise Terror: Punk Rock and the Aesthetics of Badness", in C. Washburne and M. Derno, eds, Bad Music: The Music We Love to Hate (New York: Routledge), ISBN 0-415-94365-5, 


0 comments

إرسال تعليق