الاثنين، 9 أغسطس 2021

روافد الفن العربي الإسلامي ومصادره...

تأثر مكون الفن العربي الإسلامي بروافد من مختلف الثقافات والشعوب

تعد جزيرة العرب المصدر الأول لمختلف مظاهر الحضارة العربية الإسلامية، ويتجلى ذلك في بقايا المعمار الأثري والمهن والحرف التي أنتجت التحف بشتى أنواعها.

وعندما جاء الإسلام ازدات حضارة الإنسان نموا وازدهارا وترك آثارا عميقة في مختلف مناحي الحياة وخاصة في مجال الفن والعمران. 

وكانت للحضارات المحيطة بالجزيرة العربية تأثير على الحضارة الإسلامية، حيث استفادت منها بشكل ايجابي وأعادت عجنه وتوظيفه بما يخدم الفن العربي الإسلامي. ومن ذلك الفنون البيزنطية (المسيحية) والقبطي، والفن الساساني، والهلنستي، والفن البربري في شمال أفريقيا.

ولأجل التعمق أكثر حول روافد ومصادر الفن العربي الإسلامي، لنلق نظرة ونعطي صورة حول هذه الفنون التي كانت ينبوعا للفن العربي الإسلامي.

الفن البيزنطي المسيحي

كان ظهور الفن البيزنطي المسيحي في الشام، حيث هو موطن عيسى عليه السلام وموطن حوارييه وأتباعه. وكانوا يعيشون في الأنفاق (Catacomb) والكهوف، حيث كان الوثنيون من الرومان يعتدون عليهم ويضطهدونهم نحو ثلاثة قرون إلى عام 313م، حيث تبنى الإمبراطور تيودوسيوس الدين المسيحي وجعله دين الدولة الرسمي.

ولم ينشأ الفن بين المسيحين من الوهلة الأولى، حيث كانوا يعتبرون ذلك لا لزوم له، لاعتبارات عقدية أو غيرها، لكن ما لبثوا أن زينوا مقابرهم ومساكنهم من الكهوف والمغاور التي كانوا يمارسون عباداتهم فيها.

كان هذا الأمر بداية ظهور الفن المسيحي الأول. وربما تفننوا في اقتباس مظاهر من سبقهم كصور الفن الوثني وما لا يتعارض مع الدين المسيحي. بعد ذلك تطور الأمر فصوروا السيد المسيح وعبروا عن مبادئ ديانتهم، فجعلوا صورة الزيتون رمز السلام، والشجرة ترمز للجنة والحمامة للروح والسلام ...

كما نحتوا على توابيت الموتى قصص السابقين كقصة موسى ونوح عليهما السلام، ونحتوا أشكالا متعددة خاصة في المصنوعات كالتوابيت والصناديق والتيجان، عكس البنايات.

يمثل تمثال الراعي الصالح، أحد نماذج الفن المسيحي

 أدخل المسيحيون فنهم في الكنيسة البازيليكية، التي أصبح شكلها الهندسي مستطيلا، تتكون من رواقين، بها جوفة APSE نصف دائرية. كما جعلوا أضرحتهم على شكل دائري واستعملوا الرخام في الجدران الداخلية المبنية بالأحجار.

الفن البيزنطي:

بسبب ما تعرض له المسيحيون من اضطهاد من قبل الوثنيين، اضطر الكثير منهم إلى الهجرة إلى روما التي أصبحت عاصمة بيزنطة، حيث تبنت الدولة الدين المسيحي في الإعلان المنشور عام 313م. فازدهرت المسيحية هناك، واستقطبت روما المسيحين من كل مكان.

أنشأ البيزنطيون في روما أربع عشرة كنيسة وقاموا بزخرفة القصور بأنواع كثيرة من الزخارف، المستوحاة من الإغريق، وبدئ في إنشاء كنيسة أيا صوفيا.

من نماذج الفن البيزنطي في كنيسة أياصوفيا في عصر جوستنيان

مر الفن البيزنطي في ثلاثة مراحل أساسية: من القرن الرابع إلى السادس الميلادي، حيث كانت هذه المرحلة المرحلة الذهبية. ثم المرحلة الثانية: من القرن السابع والثامن، حيث شهدت هذه المرحلة اضمحلالا وضمورا، ثم عصرا مزدهرا بين القرنين التاسع الميلادي والقرن الحادي عشر.

ظهر بعد ذلك في الشرق تطور وازهار الفن البيزنطي في الأشكال الزخرفية،  فتشكل الطراز البيزنطي، الذي استمد روافده من الفن الإغريقي والفنون الشرقية القديمة (الهلسيني).

نسيج بيزنطي متأثر بعناصر ساسانية مثل حبات اللؤلؤ

 ومن مميزات الفن البيزنطي، اتجاهه نحو الأشكال المستديرة والمتقاطعة كالصلبان عوض المستقيمة، كما استمد البيزنطيون فنهم المعماري من الفرس، حيث أصبحت القباب البيزنطية تشبه الفارسية. كما أكثر البيزنطيون من تصوير النباتات والطيور ولونوا الجدران المرصع بالرخام، وزينوا بالفسيفساء.

قام الإمبراطور قسطنطين بإنشاء كنيسة أياصوفيا، تمجيدا للحكمة الإلهية، ثم أعاد جستنيان بناءها عام 532م، وزينها بكل ما استطاع من ألوان الزخاف والنقوش، حيث أصبحت إحدى التحف التي تبرز بجلاء الفن البيزنطي في أبهى تجلياته.

استعمل البيزنطيون الفيسفساء بكثرة في كنائسهم فاستغنوا عن التماثيل والمنحوتات الضخمة.

رسم جوستنيان بالفسيفساء في الفن البيزنطي

ولعل الفن العربي الاسلامي استمد الفسيفساء من الفن البيزنطي، بالإضافة إلى ورقة العنب والأكانتس، والبالمت (السعف) وكوز الصنوبر وأيضا تصوير الحيوانات، والأشكال نصف دائرية.

كرسي مطران مكسيميان نموذج الصناعة والنقش في الفن البيزنطي

الفن القبطي 

الفن القبطي من الفن المسيحي في مصر، بين القرن الرابع والعاشر الميلادي، وقد كان الأقباط بدورهم في مصر يعانون من الاضطهاد والتضييق من إقامة الشعائر الدينية بحرية، مما ألجأهم إلى الكهوف والمغاور، وبهذا حولوا هذه المعابد إلى كنائس أبرزوا خلالها فنهم.

عناصر ومواد البناء في الفن القبطي
  بنى المصريون الأقباط في الصحاري أديرة جديدة تتميز بنظام معماري خاص، امتد إلى شمال أفريقيا، واقد استعملوا في هذه العمارة الفن البازلكي والخطوط الدائرية والقباب المزينة، كما أتقنوا النحت والنقش على الجبص والرخام والخشب والحجارة، بفنون مستوحاة من عصر الإسكندر ونسج الأقباط الحرير والصوف، فانتشر الفن القبطي بمصر منذ ما قبل القرن الرابع الميلادي، إلى بداية الدولة الطولونية.

نموذج النحت القبطي على الحجر

الفن الهلنستي

ينسب هذا الفن إلى الدولة الساسانية في إيران، الذي تأثر بالأحداث الكبرى التي وقعت بين الإيرانيين واليونان، انتهت بإخضاع بلاد إيران إلى الإسكندر الأكبر. وتاثر الفن الإيراني بالفن اليوناني بسبب هذا الإجتياح اليوناني والحرب التي وقعت بينهما ما بين (559 - 321 ق.م)

نشر الإسكندر المقدوني الحضارة اليونانية بإيران، ثم السلوقيون إلى قيام دولية البارئيين (50ق.م - 226م)

بعد ذلك جاء الساسانيون الذي حاولوا إحياء القومية الإيرانية في البلاد، بعد أن أوشكت على الضمور بفعل التاثير اليوناني.

عندما قام الإسكندر الأكبر بالحكم في إيران امتزجت الثقافتين بتأثير الثقافة اليونانية الغالبة، فأنشأت ما يعرف بالفن الهلنستي نسبة إلى (Hellas) وهو منطقة تقع شرق اليونان.

تمكن الساسانيون من تأسيس دولتهم وجعلوا عاصمتها المدائن، دخلت بعد ذلك في حروب طاحنة مع الرومان، واجتاحت آسيا الصغرى بعدما تمكنوا من انتزاعه من الرومان، كما اجتاحوا الشام وفلسطين ومصر، وأخذوا من بيت المقدس ما يعرف ب"الصليب المقدس".

هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض هذه الأحداث في قوله تعالى: (الم، غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الأَرْضِ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)[الروم:1-3]

واستطاع الروم نقل فنونهم إلى إيران، هذه الفنون المتوحاة من ثقافة الإغريق، وخاصة بعد غلق مدارس الفلسفة من قبل جستنيان" في مدينة أثينا في اليونان.

كان لهذا الاحتكاك بين الثقافة البيزنطية والإيرانية تأثير على الفنون والزخرفة الايرانية، فأخذها منهم أو فرضوها على المناطق التابعة لنفوذهم. وهكذا نتج عن كل هذا الإحتكاك تبادل التأثير بين الفن الإيراني والإغريقي من جهة ثم الساساني والبيزنطي من جهة أخرى. نتج عنه التأثير على الفن العربي قبل الإسلام بفعل تجاور الجزيرة العربية مع الغسانيين والمناذرة.

تأثير الفن الساساني في الفن الإسلامي، تظهر شجرة الحياة والطيور والحيوانات المتقابلة أو المتدابرة وحبات اللؤلؤ تدور بالوحدة الزخرفية

 عندما جاء الإسلام بتعليماته وأوامره اتجهت الفنون العربية نحو التأقلم والتأطير بالنظام الإسلام، خاصة عندما اكتمل النفوذ الاسلام على أراضي الدول السالفة الذكر، حيث صب العناصر الفنية المتواجدة هناك في قالب تستوعبه التعاليم الاسلامية.

ومن أمثلة الفن الساساني: أشرطة متموجة توضع على رقاب الغزلان حول الرأس، رسوم للحيوانات أو الناس بشكل متاقبل أو متدابر، توضع بين كل منها شجرة، تسمى بـ "شجرة الحياة". كما رسم الساسانيون العنقاء، وهو حيوان خرافي متخيل لا وجود له في الواقع، كما رسموا حيوانات ذوات الأربع المجنحة ...

الفن القوطي

يصطلح الفن القوطي على الفنون التي ظهرت في العصور المتأخرة في أوروبا بعد أن اختلط الشماليون بالحضارة الرومانية أو ما تبقى منها في أوروبا الغربية، ويمتاز هذا الفن بالعقد المدبب والنوافذ المشبكة والسقوف المعرشة.

 وظهر الفن الرومانسيكي، نسبة إلى دولة الرومان وقسم إلى ثلاثة فروع: الفن الكارولنجي والسكسوني والنورماني. هذا الفنون الثلاثة هي أهم أنواع الفنون التي ساعدة أوروبا قبل ظهور الفن القوطي.

الفن البربري في شمال أفريقيا

هو مزيج من الفن المصري الفرعوني خاصة في هندسة العمران، وتصاميم عربية سابقة للإسلام، وتأثيرات رومانية في توظيف الأشكال المستديرة وبناء الأقواس بالحجارة الكبيرة، وفنون بيزنطية في الفسيفساء.

وتحمل أغلب هذه الأشكال دلالات غيبية من قبيل رد عين الحسود، أو غير ذلك.

ومهما يكن، فإن الفنون العربية الإسلامية رغم استمدادها من الفنون الأخرى المحيطة بها بحكم التداور والإحتكاك، يبقى اتجاه نموها رهين بالظروف الجديدة التي تحيط به، وبطبيعة الميل النفسي للإنسان العربي المسلم.

-------------------- المصادر ----------------------

مجلة الفنون، ماي 1974

مجلة "دعوة الحق" الرباط، عدد يونيو 1974، ونونبر 1976، ويناير 1977.

معرض الموزايكو البيزنطي، جريدة الشعب، 14/04/1957

تراث العصور الوسطى: كرامب وجاكوب 1/88

الفن الإسلامي في إسبانيا، جوميث مورينو (ص 354)



0 comments

إرسال تعليق